بعد 15 عاماً قضتها في دول الخليج العربي، عادت ماجدة خضر إلى فلسطين، حاملة معها تطلعاتها المليئة بالأمل والإصرار والتحدي لكافة المعيقات التي تواجه الفلسطيني وتمنعه من التغيير والسير قدماً نحو مستقبل أفضل، في ظل جميع الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تخنق أي بصيص أمل أو ذرة تفاؤل.
لكن ماجدة وهي الحاصلة على البكالوريوس في التربية والماجستير في الإدارة التربوية ودبلوم العلوم، أحبت أن تشعر بطعم العودة بطريقتها الخاصة، فقامت عام 2001بتجميع عشرين طالباً وطالبة من عناتا مشكِّلةً ما يشبه المدرسة الصغيرة التي أطلقت عليها اسم “شمس المعارف” نسبة إلى هدفها المتمثل في نشر المعرفة والعلم إلى أكبر قدر ممكن من الأطفال.
إلا أنها وخلال هذه السنين لم تكن تتوقع أن مدرستها الصغيرة ذات العشرين طالباً ستتحول إلى واحدة كبيرة تضم العديد من الطلبة وإثنين وعشرين معلما ومعلمة؛ من ذوي اختصاصات مختلفة، ليتحول حلمها الصغير إلى حقيقة واقعة وخطوة أولى في مسيرة طويلة وأحلام كبيرة.
فبعد نجاح هذه التجربة وتوسعها بدأت ماجدة تطمح لتحقيق المزيد في مجال التربية والتعليم؛ فأسست عام 2008جمعية تابعة للمدرسة تختص بصعوبات التعلم وتطوير الطفل وأسمتها “إبدأ”، تستقبل الطلبة الذين يعانون من بطء في عملية التعلم وصعوبة في القراءة والكتابة والحساب من سن 6 سنوات حتى 15 عاماً.
بدأت هذه الفكرة -كما تقول ماجدة- من الحاجة ، فقصة طفل صغير غيرت لي جميع توجهاتي واهتماماتي ودفعت بي للتفكير في مركز لتعليم ذوي الصعوبات التعلمية إذ جاء في يوم من الأيام طالب في العاشرة من عمره، لكنه كان ضعيفاً جداً فلم يستطع أي معلم النجاح في تطويره وحمله على تعلم القراءة والكتابة، لذلك قمت بالاتصال مع أهله ونصحهم لتحويله إلى مدرسة ثانية لأنا فشلنا فعلاً في جذب اهتمامه كما كنا نعتقد”.
هكذا تحدثنا ماجدة عن بدايات اهتمامها بالأطفال بطئي التعلم مكملة حديثها: “لكنا اكتشفنا بعد فترة أن الطالب كان يهرب من مدرسته الثانية محاولاً المجيء لشمس المعارف فكان لذلك أثر كبير في نفسي وأحسست أنني لا بد من تعليمه ولو شيئاً بسيطاً للتخلص من شعوري بالذنب نحوه”.
وبالفعل بدأت ماجدة تعطي دروساً خصوصية وإضافية لهذا الطالب واكتشفت أنه في غضون شهرين بدأ يجيد القراءة وهذه القصة هي التي فتحت آفاقاً واسعة أمام ماجدة للتفكير في قضية هؤلاء الطلبة غير المرغوبين من قبل مدارسهم لأنهم يعيقون مسيرة الأطفال الآخرين ولا يستطيعون الالتحاق بزملائهم.
وتطمح ماجدة بالرغم من قلة التمويل إلى تحويل المركز إلى مدرسة تعنى بالأطفال بطيئي التعلم أسوة بمدرسة سيرة في أريحا إذ كما تقول ماجدة فإن هذه الدروس الإضافية التي يعطيها مركز إبدأ والتي تعين الطلبة للالتحاق بزملائهم لا تكفي وإنما الحاجة الجادة هنا تتمثل في مدرسة كبيرة تتسع لجميع هؤلاء الذين هم 30 بالمئة من أطفال فلسطين.
ماجدة تشير إلى أن قلة التمويل تدفع بالمعلمين إلى العمل براتب زهيد في الجمعية لكنهم لا يأبهون بذلك ويشعرون بالسعادة حين يستجيب أي طالب للطرق والأساليب التعليمية التي يتبعونها فليس أجمل من أن تشعر أنك تساعد أحدهم على تعلم القراءة والكتابة في حين تخلى عنه الجميع ولم يؤمنوا به.
هكذا تختم ماجدة خضر حديثها للPNN مؤمنة كل الإيمان أن مركزها الصغير الخاص بأطفال صعوبات التعليم سيصبح مدرسة كبيرة يوماً ما، كما تطورت مدرسة شمس المعارف من مجرد 20 طالباً وطالباً بصفوف قليلة إلى مدرسة كبيرة تدرِّس الطلبة من الروضة حتى الثامن… هذه هي تحديات المرأة الفلسطينية التي عادت لوطنها حتى تعمر بعد 15 عاماً من الغياب.